مفهوم الخشوع الصحيح


 

مفهوم الخشوع الصحيح


أخِي المُؤمن الطَّالب للَّه تعالى وحدهُ لا شريكَ له : 


(وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) هؤلاء هم أهل الخشوع 

(وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا) هؤلاء هم أهل الغفلة 

إنَّ حضُور القَلبِ أثنَاء تِلاوة الذِّكرِ أو أثنَاءَ تِلاوة القُرآنِ الكَريمِ أو أثنَاء أدَاء الصَّلوات هو أمرٌ مهمّ حتَّى تخرُجَ من الظُّلماتِ إلى النُّور . 

فَأنتَ في أثنَاء عبَادتِكَ للَّهِ تعَالى بينَ أمرَين :  

إمَّا أن تكونَ حاضِرَ القَلب مُتوَجِّهًا بِالكُلِّيَّةِ إلى اللَّه تعَالى، أو تكُونُ عَابِداً بجٕوَارحِكَ ولكِن قَلبكَ غَافِل ...

 وهُنا وبسبَبِ غفلَةِ قَلبكَ تَكونُ نفسُكَ الأمَّارةِ بالسُّوء هي الحَاضِرَة . 

واعلم؛ أنَّ لكُلِّ عِبَادَةٍ للّٰه تعَالى ( بِحضورٍ أو غَفلَة ) ثَمَرَةٌ مِن الوَارِدَاتِ وَالعَطَايَا . ولكِن؛ من كَانَ قلبُهُ غَافِلاً أثناءَ العبَادَةِ يَتَرَتَّبُ من غفلَتهِ القَلبيَّة حُضورُ نَفسِهِ الأمَّارةِ بالسُّوء . 


ومِن عَلامَةِ حُضُورِهَا أن تَشغَلكَ بأمورِ الدُّنيَا أثناءَ التَّعبُّد أو تُحزِنُكَ بذِكرَياتٍ أو وَسَاوس تَأتِي علَى صَدرِكَ فَتملَأَكَ بِالحُزنِ والضَّنك . هَذا مِن عَلَامَات حُضُورِها ، وعِندَما تَتَنزَّلُ الوَارِدَاتُ عَليكَ أثنَاءَ عِبَادَتِك وأنتَ فِي هَذهِ الحَالَة مِن الغَفلَةِ، تَقُومُ نَفسُكَ الأَمَّارَةِ بِالسُّوءِ بِسَلبِكَ كُلّ العَطَايَا الإِلَـٰهِيَّةِ فَتُغَذِّي نَفسَها بِهَذِه الوَارِدَات وتَتَقَوَّى بهَا  عَلَيك لِتُهلِكَك وَتَفتِنَك


( فَهيَ أَفعَى ) فَتَخرُج مِن عِبَادتِكَ وَأنتَ ضِيِّقَ الصَّدرِ حَزِين، وتَزدَاد أُمُورَكَ الحَيَاتِيَّة سُوءًا مِن تَسلُّط تَجلِّيَات هَذهِ النَّفس السُّفليَّة علَى حَياتِكَ الظَّاهرِيَّة الدُّنيَويَّة . ومِن تَجلِّيَاتِ هَذهِ النَّفس الظُّلمَانيَّة

تَسَلُّطِ أَعدَائِك مِن البشَرِ عَليكَ مَعَ قُوَّتهِم عَليكَ وَضَعفكَ أمَامهُم وذلِكَ لِقُوَّة نَفسِكَ الأمَّارةِ بالسُّوءِ ، أو الإنعِكَاسَات الَّتِي تَجدُها فِي رِزقِكَ وعَدَم التَّوفِيق والإصَابَة بِالأمرَاض الرُّوحِيَّة وأذِيَّة النَّاس لَك إلَى آخِرِ ذَلكَ مِمَّا تَعلَمُهُ جَيِّداً ومَا أنتَ تُوَاجِهُهُ كُلَّ يَوم فِي حَيَاتِك أصلاً ، لأنَّ أغلَبَ العِبادَة التِي تَقُومُ بهَا تَكنُ غَافِلاً قَلبِيَّا فِيها ولكِن حَاضِرًا بِنفسِكَ الأمَّارةِ بالسُّوء . 

الَّتي قَد وَصفتُ لَك أحوَالُ حُضُورِهَا عَليك . 

وبِسبَب ضَياعِ شَرطِ الخُشُوع الصَّحِيح بَينَ النَّاس وقِيَامَهم بِعبَادَتِهِم وهُم غَافِلُون تَسَلَّطَت نُفُوسَهم عَليهِم وتَسَلَّطَ عَليهِم كُلّ مَايتَعلَّق بهَذهِ النَّفس مِن تَجَلِّيَاتٍ ظَاهِرِيَّة وبَاطِنيَّة . فَازدَادَت أحوَالهُم بُؤساً و ازدَادَت حَياتهُم ضَنكاً وكُلَّما فَزَعُوا إلى العِبَادة لِيخرُجُوا مِن دَائرَة البُؤس الَّتي هُم فِيها دَخلُوهَا وهُم غَافِلُون فَازدَادَت أحوَالهُم بُؤساً علَى بُؤسٍ وضَنكاً علَى ضَنكٍ واللَّه المُستَعَان . 


أمَّا إن دَخلتَ العِبَادة بتَوَجُّهٍ قَلبِيٍّ صَحيح ، وأوَّلُ التَّوجُّه القَلبِيِّ الصَّحِيح إِدرَاكُكَ لِمعَانِي مَا تَقرَأ أو تَذكُر مِن عِبادَةٍ حتَّى يكُون قَلبكَ حَاضراً معَ كُلِّ كَلمَةٍ ،تَتَأَمَّلَها وتَتَدَبَّر فِيهَا  سَتجدُ معَ الصَّبرِ قَليلاً ،انشِرَاحَاً فِي الصَّدرِ وذَهَاب ضِيقِ النَّفس عَنكَ تَدرِيجِيَّا ، هَذا الأمرُ يَحتَاجُ لِصبرٍ ومُمَارَسةٍ ولَكِن بِقلِيلٍ مِن الجُهدِ إن شَاءَ اللَّه تعَالى تِصلُ إلى حَالَةِ حُضورِ القَلب وهِي التَّدَبُّر والتَّأَمُّل التَّام فِي كُلِّ كَلمَةٍ تَقُولُها أثنَاء عِبَادتِكَ مِن صَلاةٍ أو تِلَاوَةٍ أو ذِكرٍ .

هُنا سَيَتنَشَّط قَلبكَ وتَتنَشَّط حَوَاسَّهُ وسَتَأتِي ثَمرَةُ العِبَادة وهيَ الوَارِدَات فَتُصيبُ القَلب ، فَيتَقوَّى ويَنشَط فتَأتِيكَ التَّجَلِّيَات القَلبيَّةِ الظَّاهِريَّة وهيَ الحَيَاةُ الطَّيِّبَة والوَفرَة والبَرَكة فِي الرِّزق والغِنَى فِي المَال الطيِّب والصَّحَة والإنشِرَاح والطُّمَأنِينَة والسَّكِينة وكَثيرٍ من الأحوَال الظَّاهِرِيَّة الجَمِيلةِ وسَيختَفِوا أعدَائَك تَدرِيجِيَّاً ويتَوقَّف التَّسَلُّط الرُّوحِي عَليكَ ويَزُولُ بُؤسَكَ تَدرِيجِيَّاً إن شَاء اللَّه تعَالى . وَسَتأتِيكَ أحوالُ القَلب البَاطنيَّة أيضاً من أثرِ قُوَّة حَواسِّ القَلب فتَرى برُؤيتِهِ وتَسمَع بسَمعِهِ وتَذوق بذَوقِهِ وتَفهَم بفَهمِهِ . 

أخِي المُحبّ 

أوَّل الذِّكرِ أن تَذكُر بِصَوتٍ مَسمُوعٍ وتَأمُّلٍ لِمعَانِي الذِّكر ، حتَّى ينتَبِهَ القَلب ثمَّ يبدَأ يذكُر معَك ، وآيةُ انتِباهِ القَلب للذِّكر وإبتِدَائِهِ للذِّكرِ معَ اللِّسَان  هُو أن يَخفُتَ صَوتُكَ الظَّاهرِيِّ  تَدرِيجِيَّاً ويَبدَأُ صَوتُ قَلبكَ الدَّاخلِيِّ بِالوُضُوح ، فَيكُونُ لِسَانك يَتَحرَّكُ بِالذِّكر بِغيرِ صَوتٍ وقَلبكَ يَذكرُ الذِّكر وتَسمَعَ ذِكرُ قَلبكَ بِالصَّوت الدَّاخلِيِّ . 

قَد تَكونُ فِي هَذهِ المَرحلَة حَركَة خَفيفَة للجسَد مِن تمَايُلٍ أثنَاء الذِّكر وهيَ حَركَةٌ لا إرَاديَّة وهذَا هُو ذِكرُ الجَسَد ، فإذَا قَويَ ذِكرُ القَلب وصَارَ أوضَح سَيتوَقَّف ذِكرُ اللِّسَان

 وسَتبقَى أنتَ صَامتاً فِي الظَّاهر ومُرَاقباً لِلصَّوت الدَّاخِلِيِّ لِقلبِكَ وهُو يَذكرُ اللَّه تعَالى

 وسَيتَوقَّف جسَدكَ فَجأةً عَن الحَركَة وتَدخُل فِي حَالةِ سُكونٍ ظَاهِريٍّ .  

إذَا وَصلتَ لهذهِ الحَالَة فَأنتَ الآنَ فِي حَالةِ خُشُوعٍ وذِكرٍ قَلبيٍّ . سَتبدأُ أنوارِ الذِّكرِ بالنُّزُولِ علَى قَلبكَ فَتقوَى حَوَاسَّهُ البَاطنيَّة وتَنجَلِي مِرآتَهُ الَّتي بهَا تَشهَدُ مَا تَشهَد مِن عَالَمِ الغَيب . 

أخِي المُؤمِن أُختِي المُؤمنَة

بِغيرِ الخُشُوع وحُضُور القَلب ، سيكُونُ لِعَبادَتكَ أثرٌ عكسِيٌّ عَليكَ وسَتكُون مَسجُوناً فِي سِجنِ النَّفس الأمَّارَة بالسُّوء . 

عُقُوبَةً لكَ علَى غَفلَتكَ بَينَ يَديّ ربِّ العَالَمين  فَسلَّطَ عَليكَ عَدوَّكَ الَّذي هُو بينَ جَنبَيكَ فَسرَقَكَ وآذَاكَ ، ( كَيفَ تَغفلُ عَن اللَّهِ تعَالى وأنتَ بينَ يَديهِ )

أمَّا فِي حَالَةِ الحُضُور القَلبِيِّ ، فَاعلَم أنَّ فِي القَلبِ جَنَّة مَن دخَلهَا ، زَهِدَ بِالدُّنيَا ومَافِيهَا مِن جَمَال أَحوالِهَا وَلَأتَتْهُ الدُّنيَا وَأهلَها وهُم رَاغِمُون وهُو عَزِيز ، لأَنَّه عَبدُ اللَّه وهُم عَبيدُ الدُّنيَا . 

تَذكَّر أنَّ أكبرَ عَدُوٍّ لِلنَّفس الأمَّارَة بِالسُّوء هُو الحضُور القَلبِيّ لذَلكَ فَإنَّها سَتَمنَعُك بِكُلِّ الوَسَائل عَن الخُشُوع فِي العِبَادة ، فَإذَا رَأيتَ ذَلكَ فَجَاهِدهَا واصبِر فَإنَّهَا سَتَضعُف حتَّى تَذُوب بِالكُلِّيَّة وَيَستَنِيرُ قَلبكَ حتَّى تَدخُلَ جَنَّةَ القَلب

واللَّهُ هُو المُوَفِّق واللَّهُ هُو الهَادِي 

والحَمدُ للَّهِ ربِّ العَالمِين


 والله ولي التوفيق

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال