خطورة التسخط والإعتراض على قدر الله فيك



خطورة التسخط والإعتراض على قدر الله فيك 


 قال الشيخ عبد القادر الجيلاني رضي اللّه عنه و أرضاه:

ما أعظم تسخطك على ربك و تهمتك له عزّ و جلّ، و اعتراضك عليه و انتسابك له عزّ و جلّ بالظلم، و استبطائك في الرزق و الغنى و كشف الكروب و البلوى، أما تعلم أن لكل أجل كتاب، و لكل زيادة بلية و كربة غاية منتهى و نفاد، لا يتقدم ذلك و لا يتأخر، أوقات البلايا لا تقلب فتصير عوافي و وقت البؤس لا ينقلب نعيمه، و حالة الفقر لا تستحيل غنى.
أحسن الأدب و الزم الصمت و الصبر و الرضا و الموافقة لربك عزّ و جلّ، و تب عن تسخطك عليه و تهمتك له في فعله، فليس هناك استيفاء و انتقام من غير ذنب، و لا عرض على الطبع كما هو في حق العبيد بعضهم في بعض، هو عزّ و جلّ منفرد بالأزل و سبق الأشياء، خلقها و خلق مصالحها و مفاسدها و علم ابتداءها و انتهاءها و انقضاءها، و هو عزّ و جلّ حكيم في فعله متقن في صنعه لا تناقض في فعله، لا يفعل عبثا و لا يخلق باطلا لعبا، و لا تجوز عليه النقائص و لا اللوم في أفعاله، فانتظر الفرج حتى إن عجزت عن موافقته و عن الرضا و الغنى في فعله حتى يبلغ الكتاب أجله، فتسفر الحالة عن ضدها بمرور الزمان و انقضاء الآجال، كما ينقضي الشتاء فيسفر عن الصيف، و ينقضي الليل فيسفر عن النهار، فإذا طلبت نور ضوء النهار و نوره بين العشاءين لم تعطه، بل يزداد في ظلمة الليل حتى إذا بلغت الظلمة غايتها و طلع الفجر و جاء النهار بضوئه طلبت ذلك و أردته و سكت عنه و كرهته، فإن طلبت إعادة الليل حينئذ لم تجب دعوتك و لم تعطه لأنك طلبت الشي‌ء في غير حينه و وقته فتبقى حسيرا منقطعا متسخطا خجلا، فأرخ هذا كله و ألزم الموافقة و حسن الظن بربك عزّ و جلّ و الصبر الجميل، فما كان لك لا تسلبه، و ما ليس لك لا تعطاه: لعمري إنك تدعو و تبتهل إلى ربك عزّ و جلّ بالدعاء و التضرع و هو عبادة و طاعة امتثالا لأمره عزّ و جلّ في قوله تعالى: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ‌ [غافر: الآية 60]، و قوله تعالى: وَ سْئَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ‌ [النّساء: الآية 32] و غير ذلك من الآيات و الأخبار، أنت تدعو و هو يستجب لك عند حينه و أجله إذا أراد و كان لك في ذلك مصلحة في دنياك و أخراك و يوافق في ذلك قضاءه و انتهاء أجله، لا تتهمه في تأخير الإجابة و لا تسأم من دعائه، فإنك إن لم تربح لم تخسر، و إن‌ لم يجبك عاجلا أثابك آجلا، فقد جاء في الحديث الصحيح عن النبي صلى اللّه عليه و سلم، «و العبد يرى في صحائفه حسنات يوم القيامة لا يعرفها فيقال له إنها بدل سؤالك في الدنيا الذي لم يقدر قضاؤه فيها»[1]، أو كما ورد ثم أقل أحوالك أنك تكون ذاكرا لربك عزّ و جلّ موحدا له حيث تسأله و لا تسأل أحدا غيره، و لا تترك حاجتك لغيره تعالى، فأنت بين الحالتين في زمانك كله ليلك نهارك و صحتك و سقمك و بؤسك و نعمائك و شدتك و رخائك، و إما أن تمسك عن السؤال، و ترضى بالقضاء و توافق و تسترسل لفعله عزّ و جلّ، كالميت بين يدي الغاسل، و الطفل الرضيع في يدي الظئر، و الكرة بين يدي الفارس يقلبها بصولجانه، فيقلبك القدر كيف يشاء، إن كان النعماء فمنك الشكر و الثناء و منه عزّ و جلّ المزيد في العطاء. كما قال تعالى: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ‌ [إبراهيم: الآية 7]، و إن كان البأساء فالصبر و الموافقة منك بتوفيقه و التثبت و النصرة و الصلاة و الرحمة منه عزّ و جلّ بفضله و كرمه كما قال عز من قائل: إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ‌ [البقرة:
الآية 153] بنصره و تثبيته، و هو لعبده ناصر له على نفسه و هواه و شيطانه. و قال تعالى: إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَ يُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ‌ [محمّد: الآية 7] إذا نصرت اللّه في مخالفة نفسك و هواك بترك الاعتراض عليه و السخط بفعله فيك و كنت خصما للّه على نفسك سياقا عليها كلما تحركت بكفرها و شركها حززت رأسها بصبرك و موافقتك لربك و الطمأنينة إلى فعله و وعده و الرضا بهما كان عزّ و جلّ لك معينا و أما الصلاة و الرحمة، فقوله عزّ و جلّ: وَ بَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ (156) أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَ رَحْمَةٌ وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ‌ (157) [البقرة: الآيات 155- 157]. و الحالة الأخرى أنك تبتهل إلى ربك عزّ و جلّ بالدعاء و التضرع إعظاما له و امتثالا لأمره، و فيه وضع الشي‌ء في موضعه، لأنه ندبك إلى سؤاله و الرجوع إليه، و جعل ذلك مستراحا و رسولا منك إليه و موصلة و وسيلة لديه بشرط ترك التهمة و السخط عليه عند تأخير الإجابة إلى حينها، اعتبر ما بين الحالتين و لا تكن ممن تجاوز عن حديهما، فإنه ليس هناك حالة أخرى، فاحذر أن تكون من الظالمين المعتدين فيهلك عزّ و جلّ و لا يبالي كما أهلك من مضى من الأمم السالفة في الدنيا بتشديد بلائه و في الآخرة بأليم عذابه.

والله ولي التوفيق 

أخي القاريء لاتنسى إن تصل وتسلم على النبي محمد وعلى آل محمد 

1 تعليقات

أحدث أقدم

نموذج الاتصال