مقام الإحسان

المقام الإحساني 


هذا المقام أعلى رتبة في طريق السير والسلوك  وأسماها، إذ هو ثمرة المجاهدة وجوهره وروحه، ولتحصيل هذه المرتبة وجب على السالك إلى الله المرور بجميع  المقامات.
أو على تعبير ابن عجيبة (السلوك إلى حضرة ملك الملوك، وتصفية البواطن من الرذائل وتحليتها بأنواع الفضائل) وهذا الأمر يقتضي على تعبير أبي الحسن الشاذلي (تدريب النفس على العبودية وردها لأحكام الربوبية)
والحديث على الإحسان في هذا المقام على أساس جعله
(مقام مشاهدة ومراقبة) وهوكما وصفه المصطفى صلى الله عليه وسلم ( أن تعبد الله كأنك تراه).

ولهذا نجد اهل الله يتحدثون عن (الخلوة العامة والخلوة الخاصة:

الخلوة العامة: ينفرد بها المؤمن ليتفرغ لذكر الله بأي صيغة كانت..

الخلوة الخاصة: يقصد منها الوصول إلى مراتب الإحسان والتحقق بمدارج المعرفة، وهي لا تكون إلا بإشراف مرشد مأذون يلقن المريد ذكرا معينا، ويكون على صلة دائمة به ليزيل عنه الشكوك، ويدفعه إلى آفاق المعرفة، ويرفع عنه الحجب والأوهام والوساوس، وينقله من الكون إلى المكوِن.)

وهنا نصبح نتحدث عن إنسان آخر متصف بالكمال والمثالية، وننتقل من عالم الخلق إلى عالم الشهود والحق، أو كما عبر على ذلك ابن عربي بقوله: (أن يكون الصوفي إنسانا كاملا وعبدا مثاليا يتجه إلى الله، وينزع إلى الاندماج في عالمه الروحي، وذلك يعني الاتصاف بأخلاق العبودية.)

فهذه المرحلة تختفي فيها المؤثرات التي تحرك شعور الإنسان إلى العبادة، كما تختفي فيها كذلك مسألة الحساب والجزاء، فلا الخوف من النار يدفع، ولا حب الجنة يطمع، إذا تصبع العلاقة بين الخالق والمخلوق قائمة على الشوق “وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.”
ولنتمثل هذا الأمر ونقربه إلى الواقع نورد الكلام الآتي: (تقول رابعة العدوية في تساؤل ودهشة: ” أو لم تكن جنة ولا نار لم يعبد الله أحد؟ ولم يخشاه أحد؟.)

فما أسهل السؤال وما أصعب الجواب عنه!!
وفي السياق ذاته قال سفيان الثوري لرابعة: ( ما حقيقة إيمانك؟؟ فقالت ما عبدته خوفا من ناره ولا حبا لجنته فأكون كالأجير السوء، عبدته شوقا إليه).

وهنا يصبح طريق السير والسلوك  منهجا شرعيا عمليا (لا يستغني عنه كل مسلم في سبيل التحقق بالإيمان الذوقي والمقام الإحساني والتخلق بالآداب النبوية، والالتزام بالأحكام الشرعية التي كان عليها فخر الكائنات وسيد المرسلين)

وبذلك تتحقق جوهريته في الإسلام، وروحه النابضة، وحيويته الفعالة، ليصبح منارة للسالكين إلى الله تعالى، وطريقا إلى مراتب التقوى ومقامات الإحسان.

ولنختم الكلام على هذا المقام، بقول الفضيل بن عياض رحمه الله: ( عليك بطريق الحق ولا تستوحش لقلة السالكين، وإياك وطريق الباطل ولا تغتر بكثرة الهالكين، وكلما استوحشت من تفردك فانظر إلى الرفيق السابق واحرص على اللحاق بهم، وغض الطرف عن سواهم فإنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا، وإذا صاحوا بك في طريق سيرك فلا تلتفت إليهم، فإنك متى التفت إليهم أخذوك وعافوك)

والله ولي التوفيق 

أخي القاريء لاتنسى أن تصل وتسلم على النبي محمد وعلى آل محمد 

1 تعليقات

أحدث أقدم

نموذج الاتصال