سيرة المصطفىﷺ((٥٣))
إسلام سهيل بن عمرو
💎💎💎💎💎💎
سيِّدٌ من سادات قريش المرموقين وخطيب من خطباء العرب المفوَّهين، وواحد من أهل الحَلِّ والعَقْد الذين لا يُقطع دُونهم أمر.
كان سهيلاً لم يُعْرِضْ عن الإسلام فحسْب، وإنَّما طَفِقَ يصدُّ النَّاس عن سبيل الله بكلِّ وسيلة، ويصُبُّ على السَّابقين إلى الإسلام سَوْطَ عذابه، ليفتنهم عن دينهم، ويرُدَّهُم إلى الشِّرْكِ.
لكن سهيل بن عمرو ما لبث أن فوجئ بخبر وقع عليه وقع الصَّاعقة، وذلك حين نُمِيَ إليه، أنَّ ابنه عبد الله، وابنته أمَّ كلثوم قد تبعا محمَّداً، وفرَّا بدينهما إلى أرض «الحبشة»؛ تخلُّصاً من أذاه وأذى قريش.
ثم شاء الله أن تصل الأخبار كاذبة إلى مهاجري «الحبشة»، بأنَّ قريشاً قد أسلمت، وأن المسلمين باتوا يعيشون بين أهليهم بسلام؛ فعاد فريقٌ منهم إلى مكة، وكان في جملة العائدين، عبد الله بن سُهيل.
لم تكد أقدام عبد الله تطأُ أرض مكة؛ حتى أخذه أبوه، وكبَّله بالقيود؛ وألقى به في مكان مظلم من بيته...
وجعل يَفْتَنُّ في تعذيبه، وَيَلِجُّ في إيذائه، حتى أظهر الفتى ارتداده عن دين محمد، وأعلن رجوعه إلى ملَّة آبائه وأجداده...
فسُرِّيَ عن سُهيل بن عمرو، وقرَّت عينه، وشعر بنشوة النَّصر على محمَّد.
ثمَّ ما لبث المشركون أن عزموا على منازلة رسول الله صلى الله عليه وسلم في «بدر»؛ فخرج معهم سهيل بن عمرو مصحوبا بابنه عبد الله، متشوِّقاً لأن يرى فتاه يُشْهِرُ السَّيف في وجه محمد؛ بعد أن كان إلى عهد قريب واحداً من أتباعه.
ولكنَّ الأقدار كانت تُخَبِّئُ لسهيل ما لم يكن يقع له في حساب...
إذ ما كاد يلتقي الجَمعان على أرض «بدر» حتى فرَّ الفتى المسلم المؤمن إلى صفوف المسلمين، ووضع نفسه تحت راية رسول الله صلى الله عليه وسلم، وامتشق حُسامه ليُقاتل به أباه ومن معه من أعداء الله.
ولما انتهت «بدر» بذلك النَّصر المؤزَّر الذي مَنَّ الله به على نبيِّه، ووقف الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وصحبه الأخيار يستعرضون أسرى المشركين إذا هم يَجِدون سُهيل بن عمرو أسيراً في أيديهم.
فلما مَثُلَ سُهَيلٌ بين يدي النبيِّ عليه الصلاة والسلام، يريد المُفاداة، نظر إليه عمر بن الخطاب، وقال:
دعني يا رسول الله أنْزَعُ ثَنِيَّتَيْهِ حتى لا يقوم بعد اليوم خطيبا في محافل مكة، ينال من الإسلام ونبيِّه.
فقال عليه الصلاة والسلام: «دَعْهُمَا يا عمر، فلعلك ترى منهما ما يَسُرُّك إن شاء الله».
ثم دارت الأيام دورتها، وكان صُلْحُ «الحديبية»؛ فَبَعَثَت قريشٌ سهيل بن عمرو لينوب عنها في إبرام الصُّلح، فتلقَّاه الرسول عليه الصلاة والسلام، ومعه طائفةٌ من صحبه فيهم ابنه عبد الله بن سُهَيْلٍ.
ثم دعا النَّبِيُّ عليه السلام علي بن أبي طالب لكتابة العَقْدِ، وشرع يُملي عليه فقال: (اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم)...
فقال سُهَيْلٌ: نحن لا نعرف هذا، ولكن اكتب باسمك اللهم.
فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم لعليٍّ: (اكتب باسمكَ اللهمَّ).
ثم قال: (اكتب هذا ما صالح عليه محمَّدٌ رسول الله).
فقال سهيل: لو كنّا نشهد أنَّك رسول الله لم نُقاتِلْكَ، ولكن اكتب اسمك واسم أبيك.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «والله إني لرسول الله وإن كذَّبتموني... اكْتُب محمد بن عبد الله».
ثم أتَمَّ العَقْدَ وعاد سُهَيْلُ بن عَمْرو مَزْهُوّاً بما كان يظنُّ أنَّهُ حقَّقه من نصر لقومه على محمَّد.
ثمَّ دارت الأيام دورتها كَرَّةً أخرى؛ وإذا بقريش تُهْزَمُ هزيمتها السَّاحقة من غير حرب...
وإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل مكَّة فاتحا...
وإذا المنادي يُنادي:
يا أهل مكَّة، من دخل بيته فهو آمن، ومن دخل المسجد الحرام فهو آمن، ومن دخل بيت أبي سفيان فهو آمن...
فما إن سمع سُهَيْلٌ النِّداء حتَّى دَبَّ في قلبه الذُّعر وأغلق على نفسه باب بيته، وسُقِطَ في يده.
فلنترك الكلام لِسُهَيْلٍ بن عمرو لِيُحَدِّثنا عن هذه اللَّحظات الحاسمات في حياته...قال سُهَيْلٌ:
لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة، اقْتَحَمْتُ بيتي، وأغلقت عَلَيَّ بابي، وأرسلتُ في طلب ابني عبد الله؛ وأنا أستحي أن تقع عَيْنِي على عَيْنِهِ؛ لِمَا كنت قد أسرفت في تعذيبه على الإسلام، فلما دخل عَلَيَّ... قلت له: اطْلُب لي جِوَاراً من محمَّدٍ، فإنِّي لا آمن أن أُقـتَلَ... فذهب عبد الله إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقال:
أبي... أَتُؤَمِّنُهُ يا رسول الله جُعِلْتُ فِدَاكَ؟!.
قال: (نعم... هو آمنٌ بأمان الله، فليَظهر)، ثم الْتَفَتَ إلى أصحابه وقال:
(من لقي منكم سُهيلا فلا يُسئ لقاءه فلعمري إن سهيلا له عقلٌ وشرفٌ، وما مِثْلُ سهيل يَجْهَلُ الإسلام، ولكن قُدِّرَ فكان).
أسلم سهيل بن عمرو بعد ذلك إسلاماً مَلَكَ عليه قلبه ولُبَّهُ، وأحبَّ الرَّسول الكريم صلى الله عليه وسلم، حُبّاً أَحَلَّهُ في السّوَيْدَاءِ مِنْ فُؤَادِه.
قال الصِّدِّيق رضوان الله عليه:
لقد نظرت إلى سُهيل بن عمرو في حجَّة الوداع قائماً بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يُقَدِّمُ له البُدْنَ ورسول الله صلى الله عليه وسلم يَنْحَرُها بيده الكريمة، ثم دعا النبيُّ صلى الله عليه وسلم الحلاَّق فَحَلَقَ رأسه... فنظرت إلى سهيل، وهو يلتقط الشَّعْرَةَ من شَعْرِ النبي صلى الله عليه وسلم، ويضعُها على عَيْنَيْهِ...
فتذَكَّرْتُ يوم «الحديبية»، وكيف أبى أن يكتب «محمد رسول الله » فَحَمِدْتُ الله على أن هداه.
ولما انتقل الرسول الى الرفيق الأعلى، لم يكد النبأ يبلغ مكة، وكان سهيل يومئذ مقيما بها، حتى غشي المسلمين هناك من الهرج والذهول ما غشي المسلمين بالمدينة..
واذا كان ذهول المدينة، قد بدّده أبو بكر رضي الله عنه ساعتئذ بكلماته الحاسمة: " من كان يعبد محمد، فان محمدا قد مات.. ومن كان يعبد الله، فان الله حيّ لا يموت "..
فسيأخذنا العجب حين نرى سهيلا رضي الله عنه هو الذي وقف بمكة، نفس موقف أبي بكر بالمدينة..
فقد جمع المسلمين كلهم هناك، ووقف يبهرهم بكلماته الناجعة، يخبرهم أن محمدا كان رسول الله حقا.. وأنه لم يمت حتى أدّى الأمانة، وبلّغ الرسالة.. وأنه واجب المؤمنين به أن يمعنوا من بعده السير على منهجه..
وبموقف سهيل هذا، وبكلماته الرشيدة وايمانه الوثيق، درأ الفتنة التي كادت تقلع ايمان بعض الناس بمكة حين بلغهم نبأ وفاة الرسول.. !!
وفي هذا اليوم أكثر من سواه تألقت نبوءة رسول الله صلى الله عليه وسلم..
ألم يكن لعمر يوم استأذنه في نزع ثنيتي سهيل أثناء أسره ببدر: " دعها فلعلها تسرك يوما "..؟!
ففي هذا اليوم.. وحين بلغ المسلمين بالمدينة موقف سهيل بمكة وخطابه الباهر الذي ثبت الايمان في الأفئدة، تذكر عمر بن الخطاب نبوءة الرسول.. وضحك طويلا، اذ جاء اليوم الذي انتفع فيه الاسلام بثنيتي سهيل اللتين كان عمر يريد تهشيمهما واقتلاعهما.. !!
عندما أسلم سهيل يوم الفتح..
وبعد أن ذاق حلاوة الايمان، أخذ على نفسه عهدا لخصه في هذه الكلمات: " والله لا أدع موقفا من المشركين، الا وقفت مع المسلمين مثله... ولا نفقة أنفقتها مع المشركين الا أنفقت مع المسلمين مثلها، لعل أمري أن يتلو بعضه بعضا ".. !!
ولقد وقف مع المشركين طويلا أمام أصنامهم.. فليقف الآن طويلا وطويلا مع المؤمنين بين يدي الله الواحد الأحد..
وهكذا راح يصلي.. ويصلي.. ويصوم.. ويصوم.. ولا يدع عبادة تجلو روحه، وتقربه من ربه الأعلى الا أخذ منها حظا وافيا..
وكذلك كان في أمسه يقف مع المشركين في مواطن العدوان والحرب ضد الاسلام..
فليأخذ الآن مكانه في جيش الاسلام، مقاتلا شجاعا، يطفئ مع كتائب الحق نار فارس التي يعبدونها من دون الله، ويحرقون فيها مصاير الشعوب التي يستعبدونها.. ويدمدم مع كتائب الحق أيضا على ظلمات الرومان وظلمهم..
وينشر كلمة التوحيد والتقوى في كل مكان..
وهكذا خرج الى الشام مع جيوش المسلمين، مشاركا في حروبها..
ويوم اليرموك حيث خاض المسلمون موقعة تناهت في الضراوة والعنف والمخاطرة..
كان سهيل بن عمرو يكاد يطير من الفرح، اذ وجد هذه الفرصة الدسمة لكي يبذل من ذات نفسه في هذا اليوم العصيب ما يمحق به خطايا جاهليته وشركه..
وكان يحب وطنه مكة حبا ينسيه نفسه..
ومع ذلك، فقد أبى أن يرجع اليها بعد انتصار المسلمين بالشام وقال: " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: مقام أحدكم في سبيل الله ساعة، خير له من عمله طوال عمره..
واني لمرابط في سبيل الله حتى أموت، ولن أرجع الى مكة ".. !!
ووفى سهيل عهده..
عَكَفَ سهيل منذ أسلم على ما يُقَرِّبُهُ من الله، وينْفَعُهُ في أُخْرَاه.
فلم يكن بين مَنْ أَسْلَمُوا بعد الفتح؛ مَنْ هُوَ أكثر منه صلاةً، ولا صوماً ولا صَدَقَةً، ولا رِقَّةَ قلب، ولا كثرة بُكاءٍ من خشية الله.
يتبع بإذن الله .....
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ
*بشرى سارة للمسافرين الى الله تعالى في طريق السير والسلوك للراغبين في العلم والتعلم والإرتقاء والتزكية*
*في علوم الشريعة والطريقة والحقيقة*
يوجد قنوات على اليوتيوب تقوم باعطاء دروس للسالكين بشكل يومي ( على منهاج الكتاب والسنة )
هذه روابط القنوات :
[مدارج القلوب إلى حضرة علاّم الغيوب]
( قناة مختصة بعلوم السير والسلوك وعلوم المعرفة الالهية واسرار وعلوم باطنية ) تفيد السالك في طريقه الى الله )
https://youtube.com/@madarej_alquloop?si=62x0XPlDoMYD7itS
[قصص المتقين وأقوال الصّالحين ]
(قناة مختصة بقصص العارفين وأولياء الصالحين وأحوالهم وأسرارهم مع الله عز وجل وأقوالهم وموعظتهم للناس )
https://youtube.com/@qasas_almutaqein?si=z9ly-BbjTpkUZ7ZN
روضة الصّالحين
قناة ذو طابع سريع دروس قصير متنوعة
عن السير والسلوك وعلوم لدنية وقصص متنوعة
https://youtube.com/@rawdat-alsalheen?si=2QpA-xA_I9C6LErG
مكتبة الهاشمي
https://play.google.com/store/apps/details?id=app3149231.ptf&hl=ar
قناة طمأنينة
https://youtube.com/@tumaninuh-313?si=ESJ4anfHHn15yQB0