سيرة المصطفىﷺ((٣٨)) احداث الهجرة الشريفة خيمة أم معبد -سراقة-سلمان الفارسي


 

سيرة المصطفىﷺ((٣٨))

احداث الهجرة الشريفة

خيمة أم معبد -سراقة

سلمان الفارسي

💎💎💎💎💎


وفي ليلته أمسى النبي صلى اللهّٰ عليه وآله وسلم مرتحلاً في طريق الهجرة الشريفة عند منطقة كرُاع الغميم، …


فأدركتهم صلاة المغرب فصلوّا، ولما نزل ظلام الليل رأى رسول اللهّٰ صلى اللهّٰ عليه وآله وسلم برُيدة بن الحصُيب الأسلمي، وكان على شركه ومعه 70 فارسًا أو 80 من قبيلته بني سهم لعله كان يبحث عن النبي صلى اللهّٰ عليه وآله وسلم طمعاً في جائزة قريش.

فقال له رسول اللهّٰ صلى اللهّٰ عليه وآله وسلم: “من أنت؟“، قال: “أنا برُيدة”، فالتفت صلى اللهّٰ عليه وآله وسلم إلى أبي بكر وقال-وكان صلى اللهّٰ عليه وآله وسلم يُحب التفاؤل بالأسماء الجميلة-: “برَدُ أمرنا وصَلحُ“، ثم قال: “ثم ممن؟” -يعني من أي عائلة؟- قال برُيدة: “من أسلم”، فقال صلى اللهّٰ عليه وسلم لأبي بكر: “سَلمِتَْ”، ثم قال: “ثم ممن؟” -يعني من أي قبيلة؟- فقال برُيدة: “من بني سهم”، فقال صلى اللهّٰ عليه وآله وسلم لأبي بكر: “خرج سهمك”، ثم سأل برُيدة النبي صلى اللهّٰ عليه وآله وسلم فقال: “فمن أنت؟”، فقال صلى اللهّٰ عليه وآله وسلم: “محمد بن عبد اللهّٰ رسول اللهّٰ”، ثم عرض عليه رسول اللهّٰ صلى الله عليه وآله وسلم الإسلام وعلى من معه، فقال برُيدة: “أشهد أن لا إله إلا اللهّٰ وأنك عبده ورسوله” وأسلم من معه جميعاً، ثم صلىّ النبي العشاء فصلوّا خلفه وعلمّ برُيدة شيئاً من القرآن.

ثم قال برُيدة للنبي صلى اللهّٰ عليه وآله وسلم: “يا رسول اللهّٰ لا تدخل المدينة إلا ومعك لواء، ففكّ برُيدة عمامته ثم شدها في رمُح ثم مشي بين يدي النبي صلى اللهّٰ عليه وآله وسلم وقال: ”تنزل على من يا نبي اللهّٰ؟” فقال النبي صلى اللهّٰ عليه وآله وسلم: “إن ناقتي هذه مأمورة”، فقال برُيدة: “الحمد للهّٰ الذي أسلمت بنو سهم طائعين غير مكرهين” -يعني قبيلته-، والظاهر من الروايات أن برُيدة أكمل المسير قليلا مع النبي صلى اللهّٰ عليه وسلم الطريق حتى عسفان، واللهّٰ أعلم.


ثم واصل النبي صلى اللهّٰ عليه وآله وسلم طريق هجرته الشريفة، بعد هذا اللقاء مع برُيدة ومن معه من بني سهم ، قاطعين حوالي 17 كم إلى أن وصلوا أسفل عسُفان ، ثم 25 كم أخرى إلى أن وصلوا أسفل أمج ثم بعد صلاة الصبح أكملوا السير 25 كم أخرى إلى أن وصلوا أول قدُيدًا عند خيمتا أم معبد الخزاعية في حدود وقت الضحى.


واسم أم معبد الخزاعية: عاتكة بنت خالد، امرأة قوية، كانت خيمتها على الطريق تجلس فيها تسقي وتطعم من يمر بها على الطريق، فطلبوا أن يشتروا منها تمراً ولحماً، وكان بها فقر وقلَِةّ في هذا الوقت من السنة، فقالت أم مَعبدَ: “واللهّٰ ما عندنا من شيء، ولو كان عندنا لضيَفّناكم به وما احتجتم للشراء!”.


فنظر رسول اللهّٰ صلى اللهّٰ عليه وآله وسلم إلى شاة في جانب الخيمة يبدو عليها الضعف فقال: “ما هذه الشاة يا أم معبد؟“، قالت: “شاة خلَفّها الضعف عن الغنم”، قال: “هل بها من لبن؟“، قالت: “هي أضعف من ذلك”، قال: “أتأذنين إلي أن أحلبها؟”، فردَّت متُعجِّبة: “نعم!، بأبي أنت وأمي إن رأيت بها حلباً فاحلبها!”، فأخذها رسول اللهّٰ صلى اللهّٰ عليه وآله وسلم ومسح بيده ضرعها وقال: ”بسم اللهّٰ، اللهم بارك لها في شاتها!“، فامتلأ ضرعها باللبن وباعدت بين رجليها، فطلب النبي صلى اللهّٰ عليه وسلم إناءاً كبيرا لصبّ اللبن، واحتلبها، فتدفَقّ اللبن من ضرعها في الإناء حتى علَتَهْ الرغوة، ثم سقى أم معبد حتى روُِيتَ، ثم سقى من معه، ثم شرب هو صلى اللهّٰ عليه وآله وسلم آخرهم وقال: “ساقي القوم آخِرهُمُ”، ثم زادوا من السُقيا مرات حتى اكتفوا جميعاً، ثم احتلبها صلى اللهّٰ عليه وآله وسلم ثانية حًتى ملأ الإناء لأم معبد وتركه لها.


و يظهر من بعض الروايات أنه صلى اللهّٰ عليه وسلم عرض عليها الإسلام فأسلمت مكانها، 

ويؤيد ذلك ما ذكُر من أنَهّ صلى اللهّٰ عليه وآله وسلم “بايعها، ثم انصرف عنها”،


ثم ارتحلوا من عند خيمتي أم معبد، وأكملوا الطريق في وادي قدُيد قليلاً حوالي 5 كم قبل أن يقفوا للاستراحة بقُديد، فصلوّا ثم استراح رسول اللهّٰ صلى اللهّٰ عليه وآله وسلم قليلا قبل أن يكُملوا مسيرهم.


وبعد أن خرجوا من عندها بقليل جاء زوجها معه عنزات نحيفة هزيلة كان يرعاها، فدُهِش لما رأى إناء اللبن وزادت دهشته لما رأى الشاة قد امتلأ ضرعها، فقال: “من أين لك هذا اللبن يا أم معبد والشاة عزباء ولا حلوبة -شاة تُحلب- في البيت؟”، قالت: “لا واللهّٰ!، إلا أنه مر بنا رجل مبارك” ووصفت له حال النبي صلى اللهّٰ عليه وآله وسلم وما كان من وقوفه وأصحابه عندها، فقال لها: صِفيِهِ لي يا أم معبد؟، فقالت: “رأيت رجلاً ظاهِر اَلوضََاءةَ، أبلْجََ الوجه، حَسَنَ الخلَقْ، لم تعَبِه ثُجلْةَ، ولم تزَْرِ به صُعلةَ، وسيم، قسيم، في عينيه دَعَج، وفي أشفاره وَطَف، وفي صَوْتهِِ صَحلَ، وفي عنُقُهِِ سَطَع، وفي لِحيْتَهِِ كثَاَفةَ، أزَجُّ أقرن، إن صَمتََ فعليه الوقَاَر، وإن تكلم سَماَه وعلاه البهاء، أجمل الناس وأبهاه من بعيد، وأحلاه وأحسنه من قريب، حلُو المنطق، فصَْل لا نزر ولا هذر، كأن مَنطِْقَه خُرزات نظم يتحدرن، رَبعْةَ، لا تشنؤهُ مُن طول، ولا تقتحمه عين عن قصِرَ، غصُنٌ بين غصُنين فهو أنضر الثلاثة منظراً، وأحسنهم قدرًا، له رفقاء يحفُّون به، إن قال أنصتوا لقوله، وإن أمر تبادروا إلى أمره، محفود محشود، لا عابس ولا مفند”.

قال زوجها أبو معبد: “هذا واللهّٰ صاحب قريش الذي ذكُر لنا من أمره ما ذكُر بمكة، ولقد هممت أن أصحبه، ولأفعلن إن وجدت لذلك سبيلاً”.

وسار النبي صلى اللهّٰ عليه وآله وسلم ومن معه قاطعين حوالي 5 كم أخرى حتى خرجوا من قدُيد في منطقة تقاطع بين

 الطريق الذي يسيرون فيه والطريق العام الذي تمشي فيه القوافل -طر يق الجادة العظمى- وكان ذلك في حدود وقت العصر تقريباً، فلمحهم من بعيد رجل من بني مدلج -قبيلة سرُاقة بن مالك-، ثم مشى حتى وقف عند نادٍ يجتمع فيه قومه وفيهم سرُاقة بن مالك المدلجي، فقال الرجل : “واللهّٰ لقد رأيت ثلاثة راكبون، مروا علي منذ قليل إني لأراهم محمدًا وأصحابه”، فأومأ إليه سرُاقة بعينه: أن اسُكُت، ثم قال له: “إنما هم بنو فلان يبتغون ضالةّ لهم” -وقصد سرُاقة أن يصرفهم عن البحث حتى يفوز هو بجائزة قريش-، قال الرجل : “لعلهّ!”، وسكت، ثم انتظر سرُاقة قليلاً ثم قام فدخل بيته، ثم أمر أن يُخرِْجوا له فرسه في الوادي دون أن يشعر بهم أحد، وأخذ سلاحه 

وكان النبي صلى اللهّٰ عليه وآله وسلم ورفقاؤه قد ساروا من عند التقاطع مع الطريق العام حوالي 5 كم أخرى إلى وادي كلُيََةّ شمال غرب قدَُيد، قبل أن يلُاحقهم سرُاقة بن مالك في قلب الوادي.

وكان مع سرُاقة قدِاح يستقسم بها، والقدِاح قطع خشبيةّ عريضة بطول شِبر تقريباً يكتبون على كل واحدة منها شيئاً مثل: “افعل” وأخرى “لا تفعل”، ويخلطونهم ثم يختارون واحدة بعد تلاوة تعويذة معينّة، ثم يفعلون ما فيها، وهذا نوع من، المقُامرة الجاهلية في اتخاذ القرارات المصيرية بدلًا من تحكيم العقل وكان يعملها الكهّان، وهي محرمّة، بخلاف القُرعة فكانت من بين قدِاحه مكتوب فيها “لا يضره”، فلبس سرُاقة لبس الحرب من درع وسيف وغير ذلك، ثم ركب فرسه واستقسم بالقدَِاح فخرج القدِاح الذي فيه “لا يضره” وهو مالم يكن يريده سرُاقة!، فقد كان يطمع في جائزة قريش، فأصر على أن يلحق بالنبي صلى اللهّٰ عليه وآله وسلم برغم ما أشارت عليه قدِاحه ألّا يفعل! وحينما كان يجري بفرسه، عثر الفرس ووقع سرُاقة من فوقه، فتعجّب جدًا وأخرج قدِاحه ليستقسم بها مرّة أخرى فخرجت “لا يضره” مرّة أخرى، فأصر مجددًا على أن يتبّع النبي صلى اللهّٰ عليه وآله وسلم غير عابئا بما تخبره به قدِاحه.

فركب فرسه مرة أخرى منطلقًا في أثر النبي صلى اللهّٰ عليه وآله وسلم، فلماّ رآهم من بعيد ورآه أبو بكر، قال يا رسول اللهّٰ: “هذا الطلب قد لحقنا!؟”، فقال صلى اللهّٰ عليه وآله وسلم: “لا تحزن إن اللهّٰ معنا”،


 فلماّ كان سرُاقة على بعد قريب منهم وكان النبي صلى اللهّٰ عليه وآله وسلم مشتغلا بقراءة القرآن لا يلتفت، قال أبو بكر مجددا: “يا رسول اللهّٰ هذا الطلب قد لحقنا…” وبكى أبو بكر، قال صلى اللهّٰ عليه وآله وسلم: “لم تبكي؟“، قال: “أما واللهّٰ ما على نفسي أبكي ولكن عليك أبكي”، فدعا صلى اللهّٰ عليه وآله وسلم على سرُاقة وقال: “اللهم اكفناه بما شئت!” فتعثرّ فرسه مرّة أخرى وغاصت يدا الفرس في الأرض!، ووقع سرُاقة من على الفرس! فناداهم سرُاقة وقال: يا محمد، قد علمت أن هذا عملك، فادع الله أن ينجيني مما أنا فيه، فوالله لأعمين على من ورائي من الطلب وهذه كنانتي فخذ منها سهما فإنك ستمر بإبلي وغنمي في مكان كذا وكذا فخذ منها حاجتك…”، فدعا له النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم قال: “لا حاجة لي فيها”، فانتزع الفرس يديه من الأرض فتعجّب سرُاقة، وقال عن نفسه: “فعرفت حين رأيت ذلك أنه قد منُع مني، وأنه منتصر على قرُيش”.

ثم قال سرُاقة: “أنا سرُاقة بن جُعشمُ، انظروني أكلمكم، فوالله لا أريبكم ولا يأتيكم مني شيء تكرهونه ”، فقال النبي صلى اللهّٰ عليه وآله وسلم لأبي بكر: “قل له وما تبتغي مناّ؟“، فسأله أبو بكر، فردَّ سرُاقة: “تكتب لي كتابا يكون آية بيني وبينك”، فقال صلى اللهّٰ عليه وآله وسلم: “اكتب له يا أبا بكر“، فكتب له أبو بكر في رقُعة ثم ألقاه له، فأخذه سرُاقة فوضع الكتاب في كنانته، وقيل كان مما قاله له الرسول صلى اللهّٰ عليه وآله وسلم أما يكفيك أن تلبس سواري كسرى يا سرُاقة؟، قال: كسرى بن هرمز؟، قال: نعم كسرى بن هرمز!، ثم رجع فسكت سرُاقة ولم يذكر شيئاً مما كان وكلَمّا وجد أحد بني قومه خارجًا للبحث كان يقول لهم: ”لقد كفيتكم هذه الجهة فلم أجد فيها أحدًا، فابحثوا في غيرها” فيصدَّقوه، 


 ثم أكملوا المسير يسيراً في وادي كُليََةّ قبل أن يقفوا للاستراحة أوّل الليل بعد أن اطمأنوا أن كفاهم اللهّٰ سرُاقة وأمثاله من الباحثين عن جائزة قريش، واللهّٰ أعلى وأعلم.


وقد مروا على هذه المناطق

((ثنية المرة -وادي لقف-مدلجة-مرجح مجاح-

أم كشد -الجاجد-وادي أجيرد-بطن ريع_مدلجة تعهن-العبابيب-بطن وادي القاحة_))

طبعا أخذت أيام

فتوقفوا للاستراحة بالعرَجْ للتزوّد بالمؤنَ، ووصلوا عند قرية كانت تسمى قديماً الجِحفة -وهي غير الجحُفة المعروفة- فمروّا براع يرعى إبلاً، فسأله صلى اللهّٰ عليه وآله وسلم: “لمن هذه الإبل؟“، قال: “لرجل من أسلم”، فالتفت صلى اللهّٰ عليه وآله وسلم إلى أبي بكر وقال: “سلمت إن شاء الله“، ثم سأل الراعي فقال: “ما اسمك؟”، قال: “مسعود”، فالتفت صلى اللهّٰ عليه وآله وسلم لأبي بكر وقال: “سعدت إن شاء اللهّٰ!”.


فلماّ جاء صاحب الإبل وكان اسمه أوس ابن حَجرَ الأسلمي، أعطى للنَبّي صلى اللهّٰ عليه وآله وسلم جملاً له اسمه “ابن الرداء” يكملون به الطريق إلى لمدينة وبعث معه غلُامه مسعود بن هنيدة هذا المذكور -وأسلم مسعود ومولاه أوس فيما بعد، ولهم ذكر في الصحابة-، ثم مكثوا بالعرَجْ حتى الليل.

وكان النَبّي صلى اللهّٰ عليه وآله وسلم أراد اختصار الطريق إلى المدينة من طريق مغاير لطريق القوافل، فقال له رجل اسمه سعد: هذا طريق ثنَيَِةّ الغاَئرِ من عند ركَُوبةَ لكن به لصَِّان من قبيلة أسلم اسمهما “المهَُاناَن”، فإن شئت أخذنا هذا الطريق؟!، فقال له النبّي صلى اللهّٰ عليه وآله وسلم: “خذ بنا على هذا الطريق!”.

   فوصلوا عند ثنيَةّ الغاَئرِ وهي ممر جبلي ضيقِّ، فإذا اللصِّان يقفان عند ذلك الممر الجبلي يعترضان طريقهم، فقال أحدهما للآخر: “هذا اليماني” -لعلهّما قصدا سعدًا الدليل لسابق معرفتهم به، واللهّٰ أعلم-، فناداهم النبّي صلى اللهّٰ عليه وآله وسلم وعرض عليهم الإسلام، فأسلما!، ثم سألهما: “ما اسمكما؟”، قالا: “المهَُاناَن”، فقال لهما صلى اللهّٰ عليه وآله وسلم: “بل أنتما المكُْرمََان!”، وأمرهما أن يقدما عليه المدينة المنوَّرة

حتى وصلوا عند منازل بني عمرو بن عوف في قبُاَء، ووصلوا تقريباً وقت الظهيرة، ولماّ وصل صلى اللهّٰ عليه وآله وسلم عند بني عمرو بن عوف سأل: “أين أبو أمامة أسعد بن زرارة؟“، فقال سعد بن خيثمة: ”هو يسكن قريباً مني يا رسول اللهّٰ، وسأناديه لك”.

فنزل النَبّي صلى اللهّٰ عليه وآله وسلم في دار كلثوم بن هدم، ونزل أبو بكر على خبيب بن أساف، وقيل: نزل على خارجة بن أبي زهير، وجلس صلى اللهّٰ عليه وآله وسلم في بيت سعد بن خيثمة يستقبل الناس وكان سعد هذا غير متزوج وكانوا يسمون بيته ببيت العزَُاّب، وطارت الأخبار إلى المدينة فعلم الأنصار بقدوم النبي صلى اللهّٰ عليه وآله وسلم فجاءوا إلى قبُاء يسلمون عليه ويرحبون به في بلادهم.

ثم بدأ النبي صلى اللهّٰ عليه وآله وسلم تأسيس مسجد قبُاء وهو المسجد الذي أُسس على التقوى من أول يوم بالمدينة، وقيل: بل هو المسجد النبّوي الذي نزلت فيه الآية والله أعلم.

وكان سلمان الفارسي يعمل في بعض نخل المدينة عند رجل يهودي اشتراه عبدًا من بعض التجار من قبيلة كلب، وكان قاَبلَهَم في مدينة عموّريَةّ التي تقع في بلاد الروم -تركيا الآن-، فأعطاهم بقراته وغنماته على أن يوصّلوه لأرض العرب باحثاً عن النبي ﷺ الذي سيبُعث في أرض العرب كما أوصاه بعض الرهبان من النصارى ممن بقوا على الملة القويمة، فظلمه أولئك التجار وباعوه عبدًا، فلما كان هذا اليوم الذي دخل فيه النبي صلى اللهّٰ عليه وآله وسلم قبُاء، وكان يعمل في بعض نخل سيده، جاء لزيارة سيده ابن عم له من يهود بني قريظة، فسمع سلمان ابن عم سيده يقول لسيده: يا فلان، قاتل اللهّٰ بني قيلة، والله إنهم الآن لمجتمعون بقباء على رجل قدم عليهم من مكة اليوم يزعمون أنه نبي! فانتفض سلمان وهو فوق النخلة لما سمع هذا وهبط مسرعاً حتى ظن أنه يسقط على سيدّه، ثم جعل يقول لابن عم الرجل: “ماذا تقول!” وكأنه غير مصدّق!، فلكمه سيده لكمة شديدة، ثم قال لسلمان: ”وما شأنك أنت؟ أقبل على عملك!”، قال سلمان: ”لا شيء، إنما أردت أن أتأكد منه مما قال!”.

قال سلمان: وقد كان عندي شيء بعض من التمر كنت قد جمعته، فلما أمسيت -آخر النهار، غالباً قبل دخول الليل- أخذته ثم ذهبت به إلى رسول اللهّٰ صلى اللهّٰ عليه وآله وسلم وهو بقباء، فدخلت عليه، فقلت له: إنه قد بلغني أنك رجل صالح، ومعك أصحاب لك غرُباء ذوو حاجة، وهذا شيء قد كان عندي للصدقة، فرأيتكم أحق به من غيركم، قال: فقربته إليه، فقال رسول اللهّٰ صلى اللهّٰ عليه وآله وسلم لأصحابه: “كلوا” وأمسك يده فلم يأكل، قال سلمان: فقلت في نفسي: هذه واحدة، وكان سلمان قد علم صفة النبي صلى اللهّٰ عليه وآله وسلم من بعض الرهبان النصارى الذين لازمهم -كما في قصّته- فأراد أن يختبر صفات النبي صلى اللهّٰ عليه وآله وسلم ومنها أنهّ لا يأكل الصدقة و يأكل الهديةّ.

وعلَِم يَهود المدينة ومشركوها أيضًا بقدومه صلى اللهّٰ عليه وآله وسلم، فجاء بعضهم ينظر إليه وبعضهم يستطلع خبره وبعضهم يصدّقه، فوجد رسول الله ﷺ بعضهم صائماً هذا اليوم - فسألهم عن ذلك؛ فقال بعضهم “يوم نََجىّ اللهّٰ فيه موسى من فرعون، فصامه موسى شكرا لله، فنحن نصومه”، 

 فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “نحن أولى بموسى منكم”، فأمر بصيام يوم العاشر من محرمّ 

وسمع عبد الله بن سلام بقدوم النبي ﷺ وهو يعمل في أرض له، وكان على اليهودية واسمه الحصين بن سلام، يقول عبد الله: “لما سمعت برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعرفت صفته واسمه وهيئته وزمانه الذي كنا نتوكف له، فكنت بقباء مسراً بذلك صامتاً عليه، حتى قدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المدينة، فلما نزل في بني عمرو بن عوف، أقبل رجل حتى أخبر بقدومه، وأنا في رأس نخلة لي أعمل فيها، وعمتي خالدة بنت الحارث تحتي جالسة، فلما سمعتُ الخبر بقدوم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كبرّت، فقالت عمتي حين سمعت تكبيري: لو كنت سمعت بموسى بن عمران ما زدت!، قال لها: أي عمَة، والله هو أخو موسى بن عمران وعلى دينه بعث بما بعث به، فقالت له: يا ابن أخي أهو الذي كنا نُخبر أنه يبعث مع نفس الساعة؟ قال لها: نعم!، قالت: فذاك إذًا”.

ثم خرج عبد الله بن سلام لينظر إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، يقول عن نفسه: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المدينة أسرع الناس إليه فكنت فيمن أسرع إليه، فلما تبينت وجهه عرفت أنه ليس بوجه كذاب، فكان أول شيء سمعته يقول “أيها الناس أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام”.

ثم ذهب عبد اللهّٰ بن سلام إلى النبي صلى اللهّٰ عليه وآله وسلم وقال: إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي؛ ما أول أشراط الساعة؟ وما أول طعام يأكله أهل الجنة؟ وما بال الولد إلى أبيه أو إلى أمه-أي متى يشُبه الولد أبيه ومتى يشُبه أمه-؟، قال صلى الله عليه وآله وسلم: “أخبرَنَيِ بِهنَِّ جبريل آنفا“، قال عبد الله: جبر يل؟!، قال: نعم!، قال عبد اللهّٰ: عدو اليهود من الملائكة؟، فقرأ عليه صلى الله عليه وآله وسلم قوله تعالى: {مَن كَانَ عَدُوّاً لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَىٰ قَلْبِكَ…} [البقرة: 97] الآية، ثم قال صلى الله عليه وآله وسلم: “أما أول أشراط الساعة فنار تخرج على الناس من المشرق تسوقهم إلى المغرب، وأما أول طعام يأكله أهل الجنة فزيادة كبد حوت، وأما الولد فإذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع الولد، وإذا سبق ماء المرأة ماء الرجل نزعت الولد“، فقال عبد الله: أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله. يا رسول الله إن اليهود قوم بهت -كذابون ومفترون ينتقصون الناس حقوقهم- وأنهم إن يعلموا بإسلامي قبل أن تسألهم عني بهتوني ثم رجع إلى أهل بيته فأمرهم فأسلموا وكتم إسلامه من

اليهود.

وصلىّ النبي صلى اللهّٰ عليه وآله وسلم الظهر والعصر بقُباء ونزل الليل وهو مبيت بها.

يتبع بإذن الله ........


اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ

*بشرى سارة للمسافرين الى الله تعالى في طريق السير والسلوك للراغبين في العلم والتعلم والإرتقاء والتزكية* 

 *في علوم الشريعة والطريقة والحقيقة* 


 يوجد قنوات على اليوتيوب تقوم باعطاء دروس للسالكين بشكل يومي ( على منهاج الكتاب والسنة ) 


هذه روابط القنوات : 


[مدارج القلوب إلى حضرة علاّم الغيوب]   

( قناة مختصة بعلوم السير والسلوك وعلوم المعرفة الالهية واسرار وعلوم باطنية ) تفيد السالك في طريقه الى الله ) 


https://youtube.com/@madarej_alquloop?si=62x0XPlDoMYD7itS



 

[قصص المتقين وأقوال الصّالحين ]

(قناة مختصة بقصص العارفين وأولياء الصالحين وأحوالهم وأسرارهم مع الله عز وجل وأقوالهم وموعظتهم للناس )

 https://youtube.com/@qasas_almutaqein?si=z9ly-BbjTpkUZ7ZN



روضة الصّالحين 

قناة ذو طابع سريع دروس قصير متنوعة 

عن السير والسلوك وعلوم لدنية وقصص متنوعة 


https://youtube.com/@rawdat-alsalheen?si=2QpA-xA_I9C6LErG



مكتبة الهاشمي


https://play.google.com/store/apps/details?id=app3149231.ptf&hl=ar


قناة طمأنينة


https://youtube.com/@tumaninuh-313?si=ESJ4anfHHn15yQB0


رابط المدونة


https://madarejalquloop.blogspot.com/?m=1

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال