سأل بعض التلاميذ أستاذه ـ وكان من العارفين بالله ـ فقال: سيدي، أنا منذ سنوات أبحث عن السعادة فلم أجدها، فأين تكمن سعادة العبد؟
فأجاب العارف بالله: يا ولدي السعادة في الإيمان، والإيمان في القلب، ولا سلطان لأحد على القلب إلا الرب، فمن استقرّ الإيمان في قلبه وزاد فهو السعيد، وإلا فهو من أشقى خلق الله ولو كان منعَّماً بالصحة والعافية.
إخوتي وأحبائي في الله:
الكل يبحث عن السعادة، فمنهم من ظنَّ السعادة بالمال فتوجّه إليه، ومنهم من ظنَّ السعادة بالجاه فتوجّه إليه، ومنهم من ظنَّ السعادة بالنساء فتوجَّه إليهنَّ، ومنهم ومنهم.... والجميع دار في حلقة مفرغة، لأن السعادة ما كانت في يوم من الأيام بالأشياء الظاهرة، السعادة في الحقيقة نابعة من داخل العبد، من خلال إيمانه بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره.
بالإيمان لا يضلّ العبد ولا يشقى، وبالإيمان لا يخاف ولا يحزن، ويُذكر في هذا المقام أن أبا الحسن الزاهد لما نصح ابن طولون الرجل الثريّ الحاكم، أزعجه النصح وأغضبه، فأمر ابن طولون بسجن أبي الحسن، وأن يجيعوا أسداً، ثم يحضروه يوم الجمعة، ليكون العبد الصالح فريسة لهذا الأسد الجائع، وأن يكون هذا الأمر أمام الناس ليكون عبرة لمن يتطاول على السلطان.
فجاؤوا بأبي الحسن أمام الناس، وجعلوا سوراً كبيراً أوقفوا فيه أبا الحسن وسطه، وجاء الأسد مندفعاً نحو أبي الحسن، فلما وصل عنده توقَّف، وجاء يتمسَّح بثوب أبي الحسن، ثم همهم وانصرف.
فسأل ابن طولون أبا الحسن: أستحلفك بالله بم كنت تفكّر والأسد قادم نحوك؟
قال: بما أنَّك استحلفتني سأقول لك: كنت أفكّر في نفسي هل سؤره ـ أي لعابه ـ طاهر أم نجس؟
يعني كان يفكِّر في أهمية الطهارة.
هؤلاء الرجال الذين غرسوا الإيمان في قلوبهم بفضل الله عليهم، علموا بحقٍّ قول الله تعالى: {قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ الله لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُون}،
وعلموا بحقٍّ قول
سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم: (وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ الله لَكَ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ الله عَلَيْكَ، رُفِعَتْ الأَقْلامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
ونحن اليوم بأمسِّ الحاجة
إلى زيادة الإيمان حتى نعيش سعداء.
فيا مريد السعادة، عليك بالإيمان، وبزيادة الإيمان، وذلك من خلال تلاوة القرآن العظيم تدبُّراً وتطبيقاً، وعليك بصحبة الصالحين الذين يزيد إيمانك في مجالستهم، حتى يصبح إيماناً شهودياً، كما كان أصحاب سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، عندما قال أحدهم: (نَكُونُ عِنْدَكَ تُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ) رواه مسلم.
وروى ابن أبي شيبة والطبراني في الكبير عَنِ الْحَارِثِ بن مَالِكٍ الأَنْصَارِيِّ، أَنَّهُ مَرَّ بِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ لَهُ: (كَيْفَ أَصْبَحْتَ يَا حَارِثُ؟) قَالَ: أَصْبَحْتُ مُؤْمِنًا حَقًّا، فَقَالَ: (انْظُرْ مَا تَقُولُ؟ فَإِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ حَقِيقَةً، فَمَا حَقِيقَةُ إِيمَانِكَ؟) فَقَالَ: قَدْ عَزَفَتْ نَفْسِي عَنِ الدُّنْيَا، وَأَسْهَرْتُ لِذَلِكَ لِيَلِي، وَأظْمَأْتُ نَهَارِي، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى عَرْشِ رَبِّي بَارِزًا، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ يَتَزَاوَرُونَ فِيهَا، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أَهْلِ النَّارِ يَتَضَاغَوْنَ فِيهَا، فَقَالَ: (يَا حَارِثُ عَرَفْتَ فَالْزَمْ)، ثَلاثًا.
اللهم بلغ بنا دينك ، وعلمنا مرادك من كتابك وسنة رسولك سيدنا محمد ﷺ ، وأرزقنا الأدب معك ومعه ﷺ ، وخذ بأيدينا إليك أخذ الكرام عليك ، وأقمنا في مقام الوراثة المحمدية ﷺ الكاملة مع كمال اللطف والعافية ، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ ، صَلَاةً تَلِيقُ بِجَمَالِهِ وَجَلَالِهِ وَكَمَالِهِ ، وَصَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ ، وَأَذِقْنَا بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ لَذَّةً وَصَالِهِ.
آمييين آمييين آمييين يارب العالمين
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ
والله ولي التوفيق
أخي القارىء
لاتنسى أن تصلي وتسلم على النبي محمد وعلى آل محمد
اللهم صل وسلم على النبي محمد وعلى آل محمد
آمييين آمييين آمييين يارب العالمين
ردحذف