( ٱلسُّلُوكَ عِبَارَةٌ عَنْ سَفَرٍ مَعنَوِيٍّ )
ٱعلَمْ أَيُّهَا ٱلمُحِبُّ
أَنَّ ٱلسُّلُوكَ عِبَارَةٌ
عَنْ ((سَفَرٍ مَعنَوِيٍّ))
فِي رِحلَةٍ تَقتَضِي فِي بِدَايَتِهَا أَنْ يَكُونَ ٱلسَّالِكُ مُسَافِراً
عَنْ هَوَىٰ ٱلنَّفسِ وَعَنْ شَهَوَاتِهَا وَعَنْ طِبَاعِهَا وَتَغيِّيرِ مِزَاجِهَا ٱلَّذِي يَحكُمُهَا حَتَّىٰ يَكُونَ مُوَافِقاً وَمُنَاسِباً
لِلحُضُورِ مَعَ جَنَابِ ٱلحَقِّ تَعَالَىٰ
وَأَمَّا ٱلمَعنَىٰ ٱلمُرَادُ مِنَ ٱلسَّفَرِ فَلَيسَ ٱلسَّفَرُ ٱلظَّاهِرِيُّ مِنْ بَلَدٍ إِلَىٰ آخَرَ بَلْ هُوَ ٱلسَّفَرُ ٱلبَاطِنَيُّ ٱلَّذِي تَتَبَدَّلُ بِهِ ٱلصِّفَاتُ وَٱلأوصَافُ
وَحَقِيقَتُهُ سَفَرٌ مِنْ عَالَمِ ٱلخَلقِ إِلَىٰ جَنَابِ ٱلحَقِّ تَعَالَىٰ كَمَا قَالَ خَلِيلُ ٱلرَّحمَنِ عَلَيهِ ٱلسَّلَامُ
( وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ )
وَكَذَلِكَ مَعَنَاهُ مِنْ حَالٍ إِلَىٰ حَالٍ
وَمِنْ مَقَامٍ أَدنَىٰ إِلَىٰ مَقَامٍ أَعلَىٰ ،
فَٱلسَّفَرُ ٱلَّذِي يَكُونُ دَاخِلَ ٱلوَطَنِ مَعَنَاهُ إرجَاعُ ٱلمَملَكَةِ ٱلإِنسَانِيَّةِ إِلَىٰ مَنزِلَتِهَا ٱلمَعنَوِيَّةِ ٱلرَّاقِيَةِ ٱلَّتِي جَعَلَهَا ٱلحَقُّ تَعَالَىٰ لَائِقَةً بِٱلخِلَافَةِ ٱلإلَهِيَّةِ ،
لِذَلِكَ سُمِّيَ ((ٱلسُّلُوكُ سَيراً ))
لِأَنَّ فِيهِ سَفَرٌ مَعنَوِيٌّ يَتَقَرَّبُ ٱلعَبدُ فِيهِ إِلَىٰ رَبِّهِ وَيُذهِبُ عَنْ قَلبِهِ ٱلتَّفرِقَةَ ٱلحَاصِلَةَ مِنَ ٱلتَّعَلُّقِ بِٱلأغيَارِ وَٱلسِّوَىٰ وَمَنِ ٱرتِكَابِ ٱلمُخَالَفَاتِ وَٱلتَّكَاسُلِ عَنْ أدَاءِ ٱلفَرَائِضِ وَٱلسُّنَنِ ،
وَلِذَلِكَ فَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مُرَاقَبَةٌ لِأَحوَالِهِ فَلَنْ يَتَمَكَّنَ مِنَ ٱلسَّفَرِ لِأَنَّ ٱلمُرَاقَبَةَ فِي ٱلحَقِيقَةِ هِيَ زَادُ ٱلمُسَافِرِ وَمَنْ لَا زَادَ لَهُ لَا سَفَرَ لَهُ
فَلَابُدَّ لِكُلِّ سَالِكٍ أَنْ يَكُونَ صَاحِبَ هِمَّةٍ وَإمدَادٍ رُوحِيٍّ لِكَيْ يَستَطِيعَ أَنْ يَكُونَ رَاسِخاً فِي مَقَامِ ٱلعُبُودِيَّةِ لِيَقدِرَ عَلَىٰ تَحَمُّلِ مَشَاقِّ ٱلسَّفَرِ ٱلمَعنَوِيِّ وَٱلصَّبرِ عَلَىٰ ٱلمِحَنِ وَٱلقُدرَةِ عَلَىٰ مُخَالَفَةِ ٱلنَّفسِ وَتَزكِيَتِهَا لِيَتَحَصَّلَ عَلَىٰ مَقَامِ ٱلتَّجرِيدِ وَيَكُونَ أَهلاً أَنْ يَلِجَ قَلبُهُ وَتُحلِّقَ رُوحُهُ فِي عَوَالِمِ ٱلقُربِ وَٱلمَحَبَّةِ فَتَرَاهُمْ لَا يَستَقِرُّونَ عَلَىٰ حَالٍ وَلَا تَأتَلِفُ قُلُوبُهُمْ عَلَىٰ بَالٍ عَزَفَتْ قُلُوبُهُمْ عَنِ ٱلدُّنيَا وَزِينَتِهَا يَسعَونَ دَائِماً لِلتَّجَرُّدِ عَنْ جَمِيعِ ٱلتَّعَلُّقَاتِ ٱلنَّفسِيَّةِ ٱلَّتِي تُؤَخِّرُ سَيرَهُمْ وَتُعُيقُ تُبَدُّلَ أحوَالِهِمْ
فَٱنظُرْ أَيُّهَا ٱلسَّالِكُ إِلَىٰ حَقِيقَةِ ٱلسَّفَرِ ٱلبَاطِنَيِّ فَمَنْ لَا سَفَرَ لَهُ لَا حَيَاةَ حَقِيقِيَّةً لَهُ
فَٱلحَقْ بِرِكَابِ ٱلسَّائِرِينَ إِلَيهِ فَإنَّهَا ٱلرِّحلَةُ ٱلأبَدَيَّةُ ٱلَّتِي تَنَالُ بِهَا ٱلحُبَّ ٱلخَالِدَ .
والله ولي التوفيق
أخي القارىء
لاتنسى أن تصلي وتسلم على النبي محمد وعلى آل محمد
اللهم صل وسلم على النبي محمد وعلى آل محمد